من نعمة الله على الإنسان أن يوفقه لقراءة القرآن ، وأن تكون تلاوته للقرآن تلاوة حسنة تلاوة خالية من اللحن تلاوة تقام فيها الحروف حق قيامها من غير غلو ولا تنطع، ومن نعمة الله عليه أيضاً أن يمن الله عليه بحفظ كتابه العزيز أو بحفظ جزء منه، فكلما حمل صدره كتاب الله وحفظه عن ظهر قلب فقد نال خيراً كثيراً أو فضل كثير وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظمون شأن من حفظ القرآن فيهم ويجعلون له منزلة وفضلاً كبيراً، ومن نعمة الله على العبد أن يرزقه تلاوة القرآن وأن يكون ممن يتلو القرآن حق تلاوته فإن من وفقه الله لتلاوة القرآن فقد هداه إلى الخير الكثير؛ ففي تلاوة القرآن صلاح القول وزكاة النفوس وقوة الإيمان وفي تلاوة القرآن الأمور العظيمة، فمن قرأ آية من كتاب الله فله بكل حرف حسنة لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف، والقرآن شفيع لأصحابه يوم القيامة الذين عملوا به ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) [البقرة: 121] .
إن تلاوة القرآن لها شأن عظيم في إصلاح القلب والعمل، لذا قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء: 78] ، (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) [الإسراء: 79]
إن أولياء الله المتقين الملازمين لقيام الليل الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يتلون كتاب الله ويحركون فيه قلوبهم وتذرف الدموع وتخشع القلوب وتقبل النفوس على الله جلَّ جلاله، لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم كثير القراءة للقرآن يتهجد به في ليلته فرآه حذيفة ليلة يقرأ البقرة ثم يركع ثم قرأ النساء ثم قرأ آل عمران ما مر بآية وعد إلا سأل ولا بآية وعيد إلا استعاذ، كان سلفنا الصالح يحيون ليلهم بالقرآن ولهم في ذلك أخبار عجيبة من تدبر الآيات وتأملها وتعقلها وربما أشغلت بعضهم الآية الواحدة في تدبرها وتعقل معناها حتى يمر عليه معظم الليل وهو ما زال في تفكر واعتبار، قام بعضهم بقوله سبحانه: (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [الجاثية: 21] . كل هذا من تدبر القرآن والله تعالى يقول: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) [النساء2]. وقال: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [ص: 29]. فهو التدبر والتعقل وجعلت تلاوته وسيلة إلى ذلك، والـذي يمر عليه العـام والشهـور وما تلا كتـاب الله ولا نظـرت عينُـه المصحفَ فقد فاتـهُ خيرٌ كثيرٌ وحُرِمَ خيراً كثيراً .