الموقف
في رمضان الماضي 1428هـ / سبتمبر 2007م قبل أربع أشهر
أخذني صديقي لهيب لتوزيع زكاة ماله
ذهبنا إلى خط الساحل حيث القرى الفقيرة
كانت الأموال موزعة في ظروف, كل ظرف فيه 5000 ريال
عندما خرجنا من إحدى القرى إلى خط جدة - جيزان
وإذا برجل عجوز لكن شديد وصحته قوية
عمره 70 سنه أو أكثر
يمشي على الخط العام
قال لهيب: هذا واش يسوى في هذا الخط في هذا الوقت في الصحراء؟
قال سوّاق لهيب: أكيد يماني داخل تهريب
وقفنا عند الرجّال وسلّمنا عليه
من وين الأخ؟ قال: من اليمن
وين رايح؟ قال: مشتاق إلى بيت الله
قلنا له: داخل نظامي؟ قال: لا والله تهريب
ليش ما دخلت نظامي؟
قال: لازم ادفع 2000 ريال تأمين
وأنا ما عندي إلا 200 ريال ركبت ب 100 ريال وباقي 100 ريال
لهيب: طيب يا عم, كم لك وأنت تمشي؟ قال: 6 أيام
لهيب: فاطر؟
قال: لا صائم
لهيب: طيّب أنت تجاوزت على أكثر من 5 نقاط تفتيش أمنية كيف تجاوزتها؟
قال: والله الذي لا اله إلا هو آني أمر من عندهم وما في احد كلّمني الظاهر ما يشوفوني
لهيب: أنت جاي تشتغل؟
قال: لا والله أنا جاي مشتاق إلى بيت الله
أبغي أسوّي عمرة
رايح مكة
لهيب: الدوريات ما قبضوا عليك وأنت ماشي في الخط؟
قال: قبل نصف ساعة مسكتني دورية قبل مسافة 50 كلم وجابتنى عند القسم على بعد 1 كلم من هنا لكن سألوني وين رايح وحلفت لهم بالله أنى ابغي بيت الله وأطلقوا سراحي.
قلت في نفسي سبحان الله ربى جهز لك رجال الأمن ينقلونك بسرعة إلى هذا المكان حتى ييسر الله لك هذا المحسن
قام لهيب وأعطاه ظرفين وقال: خذ هذه زكاة المال
أخذها الرجال وقال: جزاكم الله خير
طبعا هو ما يدري كم المبلغ إلّي في كل ظرف
لكن السواق قال: هذا لازم يدري ويش معاه فلوس حتى ينتبه لنفسه لا يسروقونها منه
فسأله السواق: أنت تعرف العملة السعودية؟
قال: نعم
قال طيب افتح الظرف وخبي الفلوس في حزامك لا تضيع
اليماني فك الظرفين يوم شاف الفلوس 10000 ريال طالع فينا
وقال: هذى كلها لي؟
قلنا: نعم لك
الرجال سقط في السيارة في حاله إغماء
نزلنا من السيارة وجلسنا نرشه بالمويه
وهو يصيح: هذه الفلوس كلها لي
هذه الفلوس كلها لي
وجلس يبكى بكاء, يبكي الحجر
المهم صديقي لهيب قال: خلونا نوصله معنا قدام شوي
وطلع معانا في السيارة وبعد ما استراح الرجال شوي
سألته: يا عم قبل لا نتقابل معاك وأنت ماشى في الخط واش كنت جالست تفكر فيه بصراحة؟
إسمعوا ويش قال
قال أنا عندي بيت في اليمن
وعندي قطعة أرض جنب البيت
وهبتها لله
وبنينا عليها مسجد أنا وعيالي من الحجر والطين
المسجد خلص من البناء
لكن كان باقي الفرش وأشياء بسيطة
وكنت جالس أفكر كيف افرش هذا المسجد
صراحة كلنا بكينا بكاء عجيب
وتذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم
(من كان همّه الآخرة جلبت له الدنيا بحذافيرها)
وقوله صلى الله عليه وسلم:
'من كانت الآخرة همه
جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله
وأتته الدنيا وهى راغمة
ومن كانت الدنيا همه
جعل الله فقره بين عينيه
وفرق عليه شمله
ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدّر له'
عندها أشرت للهيب أن يعطيه زيادة
فأعطاه ظرفين زيادة ليصبح المبلغ 20000 ريال
وقبل أن ينزل الرجل من السيارة كان يتمتم ويدعوا وهو يبكي
قلت له: ماذا تدعو؟
قال: ادعى أن يربط الله على قلبي فالموضوع خطير
لا يحتمله عقلي ولا قلبي
أخاف تجيني جلطة
تركنا الرجل في الصحراء وتذكرت
(لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله
لرزقكم كما يرزق الطير
تغدو خماصاً وتروح بطاناً)
رواه الترمذي